ريتشل بيكلز ويلسون
في سنة 1974 كتب الكاتب الإيطالي “إيتالو كالفينو” مقالة بعنوان “جمع الرمال”:
“في معرض أقيم مؤخراً في باريس للمجموعات الغريبة: أجراس الأبقار، ألعاب البينغو، أغطية القوارير، صفارات من الطين، خذروف “بلبل”، تذاكر القطارات، عبواب مناديل الحمام، شارات للمتعاونين مع الأعداء خلال فترة الاحتلال الألماني، ضفادع محنطة – وقد كانت هواية جمع الرمال هي الأقل تكلّفاً والأكثر غموضاً في الوقت نفسه، حيث بدت وكأن لديها الكثير مما تبوح به، حتى من خلال الصمت المعتم والمبهم المحبوس وراء زجاج المرطبانات”.
(ترانس – مارتين ماكلافلن، لندن 2013)
بالنسبة لـ “كالفينو” فقد كانت الرمال ترمز إلى بقايا عالم تلاشى، حيث كانت اكوام حبيبات الرمال المتشابهة هي كل ما تبقى من الأشكال العديدة التي اندثرت.
يمكن أن ننظر إلى آلات العود التي تم جمعها من خلال موقع هجرات العود (Oudmigrations) بالطريقة نفسها. فقد حافظت هذه الآلات على نفسها بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وتمثل بقايا وآثار لأناس وأمكنة قد اندثرت من زمن، حيث تُخفي أكثر مما تُظهر. ومع أن هذه الآلات تبدو صامته “هنا” في هذه اللحظات على الأقل، إلا أننا لو تمعنا فيها عن كثب سنلاحظ مدى اختلافها عن بعضها البعض، ما يزيد من سحرها. من العجيب أنها تمكنت من الحفاظ على حالتها.
إن جمع آلات العود ليس أمراً حديث العهد. فقد نشأت موجة سابقة سببها الطمع الأوروبي والعنف وعلى ما يبدو فشل نابليون في احتلال مصر 1798-1801. ولكن أي شخص يطلع على مجلدات (وصف مصر Description d‘Egyept ) سوف يعترف بنجاحها الساحق. هذه النسخ محفوظة في المكتبة البريطانية.
لقد حصل فريق العلماء الذي كلفه نابوليون بإعداد (وصف مصر Description d‘Egypte ) على مساعدة من المصريين في إعداد مجموعة تاريخية من المعارف: 10 مجلدات من النصوص (بقياس 43.5 سم x 28 سم) و13 مجلداً من اللوحات (بقياس 70 سم x 53 سم).
في المجلد 7 من اللوحات يمكننا رؤية آلة عود ربما يكون أول عود ينتقل إلى الغرب من بعض البلدان. ولكن يبدو الآن أن هذه الآلة قد فقدت (أنظر المقالة بعنوان “من مصر إلى فرنسا – حوالي 1800“).
ولكن كان هناك آلات عود أخرى لحقت بهذا العود في العقود التالية حيث أحضرها الأوروبيون من منطلق اهتمامهم بالبحث لتوسيع قدراتهم على التعرف على العالم، ولتوسعة مكانتهم وصورتهم.
أما اليوم فإن جمع آلات العود أمر مختلف، حيث ينشط في هذا المجال عدد أقل من الأوروبيين. ولكن يبقى هذا المجال نشاطاً قوياً وتنافسياً يتسبب في خصومة بين جامعي الآلات على اختلاف أهدافهم. فالبعض يرى في آلات العود رمزاً لعالم “مفقود”، بينما يرى فيه آخرون تأكيداً على الهوية الشخصية، بينما تمثل عملية جمع آلات العود للبعض الآخر مهمة للعثور على الصوت المثالي، والقطعة الفنية المصنوعة بحرفية مثالية، أو الشعور الرائع جراء احتضان العود في حضن العازف. ولكن امتلاك العود يظل يمثل بالنسبة للآخرين دلالة على المكانة والصورة الاجتماعية.
ومع أن آلات العود قد تفرق بين الناس، إلا أنها تربط بينهم أيضاً. بشكل آخر، نرى أن هناك عوالم متباعدة مختلفة من الكويت إلى مرسيليا، ومن ليون إلى طوكيو، ومن دمشق إلى فيينا، ومن الناصرة إلى كاليفورنيا، ترتبط ببعضها بفضل آلات العود المهاجرة.
عندما تأمل “كالفينو” في رمال العوالم المفقودة، وجد نفسه يفكر في المستقبل. وطرح سؤالاً عما إذا كانت حبات الرمال قد ترمز إلى الأساسات التي يمكن للعالم أن يعيد بناء نفسه عليها. فهل يمكننا طرح مثل هذا التساؤل في هذا السياق؟ ما هي العوالم المشتركة التي يمكن أن تنشأ عن آلات العود التي يتم تداولها على نطاقٍ عالمي