كريم عثمان حسن
لولا وجود بطاقة في الداخل تشير إلى أن هذه الآلة مصنوعة في إسطنبول، فإن المرء سيفترض بأنها صنعت في دمشق منذ حوالي 100 سنة. لا بد وأن هذا النوع من الآلات كان شائعاً في إسطنبول في بدايات القرن العشرين حيث يمكن رؤية عدد كبير من الآلات المشابهة في صور الآلات الموسيقية العثمانية. لحسن الحظ فإن بعض هذه الآلات ما زال صامداً لغاية الآن، وذلك على الرغم من بنيتها الهشة. ويعود تاريخ هذا العود إلى 1904 وتمت صناعته على يد الأخوين توفيق واسكندر قضماني (اسمهما الشهير بالتركي Şamli Tevfik and Şamli Iskender Kutmanyzade). ويعود أصل الأخوين إلى دمشق، حيث يبدو أنهما هاجرا إلى إسطنبول في بدايات القرن العشرين حيث افتتحا عملهما التجاري في 1902.
ويعد الوتر البالغ طوله 62 سم طويلاً نسبياً حسب ما هو متعارف عليه في إسطنبول. ويتكون الصدر، الذي يبلغ عرضه 37 سم في أعرض نقطة، من أربع قطع من خشب التنوب الشرقي الناعم عالي الجودة. ويحيط به نطاق بسيط من خشب الجوز ويحتوي على فتحة واحدة للصوت، مع قمرة من النوع الشائع في دمشق في ذلك الوقت مصنوعة من مزيج من خشب الجوز والقيقب. الزخارف الموجودة ليست معقدة كثيراً ولكنها دقيقة للغاية ومتقنة الصنع وتدل على حرفية عالية تبدو جلية في الكثير من تفاصيل الآلة.
تم تشطيب حافة فتحة الصوت بشكل مائل بحيث لا تنعكس الظلال على القمرة. وتمت صناعة الفرس بشكل مشابه للأسلوب المتبع في العود المصنوع في دمشق والقاهرة، كما نرى الرقمة والمصنوعة من خشب الورد الغامق (Dalbergia). هذا العود، ومثله الكثير من الآلات المصنوعة على الطريقة السورية، يتمتع بخاصية مميزة في الظهر أو القصعة. فلكي يتمكن العازف من ثني ذراعه بشكل مريح حول نهاية العود، يتم تدوير الظهر أو القصعة باتجاه الصدر. هذا الأمر يدل على حرفية عالية في الصناعة حيث يجب أن يتم ثني كل ضلع بشكل مغاير عن الآخر. إن خشب الجوز والقيقب المستخدم في صناعة الظهر أو القصعة رقيق جداً حيث يصل سمك الخشب في بعض المواضع إلى 1 ملم، ما يجعل الآلة خفيفة للغاية. كما تم تجويف الكتلتين الموجودتين في الأعلى والأسفل، وهو أمر متعارف عليه وشائع في جميع آلات العود جيدة الصنع. وتم وضع وصلة ثابتة ما بين زند العود والكتلة العلوية من خلال استخدام وصلة تراكبية أو تعشيقة بدلاً من استخدام الوتد المعتاد في الأعواد الدمشقية.
ويلاحظ أن العود من الداخل، وحتى الدعامات مصنوع بإتقان وحرفية كما هو الحال في الجهة الخارجية. حيث يلاحظ بأن الشرائط الورقية التي تصل الأضلاع البالغ عددها 15 ضلعاً من الداخل ملصقة بالغراء بدقة على كل نقطة اتصال.
ويتكون زند العود من خشب التنوب الخفيف المغطى بقشرة رقيقة من خشب الجوز وصولاً إلى الوجه الامامي لزند العود وهو عبارة عن قطعة سميكة من خشب الجوز تمتد على شكل زخارف وصولاً إلى الصدر.
لقد عانت علبة المفاتيح أو البنجق الرقيقة جداً من انحناء خفيف من شد الأوتار. والمفاتيح الـ 11 الموجودة غير أصلية.
وعلى الرغم من حجمها الجيد فإن هذه الآلة يبلغ وزنها حوالي 700 غرام فقط. وثمة العديد من الآلات ذات أبعاد مشابهة لكاتب المقال ووزنها أقل من هذه. وربما كان هذا هو السبب في تمتع هذه الآلات بنغمات رائعة ولطيفة.