ريتشل بيكلز ويلسون
تم إطلاق موقع هجرات العود (Oudmigrations) في 13 أبريل 2016 من خلال حفل موسيقي أقيم في واحد من أجمل صالونات لندن “صالون ميوزيك” في شارع مانسفيلد. بدأ برنامج الحفل باستعراض بعض أقدم القطع الموسيقية العثمانية والتي يقترن عدد منها بالموسيقيين الأوائل في بلاط السلطان سليم الأول (1512 – 1520). ثم انتقلنا إلى القرن التاسع عشر لتتبع التراث العثماني الذي تطور مع عصر النهضة المصرية. كما قمنا بتقديم أفكار من بدايات القرن العشرين في مصر من الشعر الأندلسي، مع مجموعة من الموسيقى الأحدث من تركيا وأرمينيا والعراق. إن آلتي العود المستخدمتين في العزف كانتا من صنع كل (قربيت دير بدروسيان) وهو أرمني كان يقيم في دمشق (1959) و(فاروق تورنز) وهو صانع أعواد تركي يعيش في إسطنبول (2013).
العازفون: ريتشيل بيكلز ويلسون “عود”، نيلوفر حبيبيان “قانون”، إرديم أوزدمير “باغلاما/ساز”، كريم عثمان حسن “ناي وكمنجة”، ميشيل مشبك “إيقاع”، يارا صلاح الدين “صوت”، أحمد الصالحي “كمان”.
عثمان باشا –Küçük muhammes (hüseyni)
إيوبلي محمد جلبي – قطعة بدون اسم (أرازبار)
شهد البلاط العثماني حدثاً مميزاً خلال القرن السابع عشر. فبعد أن كانت الموسيقى هناك لفترة طويلة مماثلة للموسيقى “الفارسية” في بلاط التيموريين في “هراة Herât ” وكانت ربما أقل تعقيداً، ظهرت سنة 1700 مجموعة من الفرق الموسيقية والمؤلفات التي كانت خاصة بالعثمانيين. فقد تم تهميش دور عازفي العود الذين طالما تمتعوا بمكانة عليا من بين عازفي الآلات الموسيقية في الفرق الموسيقية العثمانية في القرن السادس عشر. وبحلول سنة 1650 لم يعد العود يشكل جزءاً من الفرق الموسيقية، وربما يعود السبب لكونه يمثل رمزية كبيرة للممارسات الموسيقية الفارسية/الإسلامية بحيث لا يساعد على دعم التقاليد “العثمانية” التي كان يجري العمل على دعم تطويرها.
أول قطعتين نقوم بالحديث عنهما تمثلان هذا التحول. فقد بقيت هاتان القطعتان سليمتان مع الملاحظات والحواشي الموجودة عليهما والتي قام بها كل من (فوجيتش بوبوفسكي 1610-1675) وهو موسيقي بولندي ومترجم كان رقيقاً في البلاط العثماني واعتنق الإسلام واختار اسماً له (علي أفقي)، و (ديمتري كانتيمير 1673-1723) وهو أمير من مولدوفيا وموسيقي وكاتب رسائل عاش في المنفي في القسنطينية من 1687 ولغاية 1710. إن (Küçük muhammes) التي ألفها عثمان باشا ذات طراز قديم وتتكئ بشكل كبير على أسلوب (peşrev ) الذي طوره الموسيقيون الفارسيون في البلاط في القرن السادس عشر. وعلى الرغم من كونها من تأليف شخص تركي عثماني، فإن قطعة (جلبي) في مقام “أرازبار” يعود تاريخها على الأرجح إلى القرن الثامن عشر حيث أن (جلبي) كان واحداً من الموسيقيين الذين ساعدوا (كانتيمير Cantemir) في وضع الملاحظات والحواشي.
عثمان باشا – Küçük muhammes (hüseyni)
بدا وكأن مؤلفات البلاط العثماني كانت قد بدأت تتعافى من فترة ركود في القرن السادس عشر وذلك بفضل وصول الموسيقيين الفارسيين الذين كان بعضهم ممن وقعوا في الأسر أثناء غزوات السلطان سليم الأول، والبعض الآخر وصلوا كمحترفين مدربين في هذا المجال. في هذه الفترة من الزمن كان موسيقيو البلاط عبارة عن فريق من مزيج مختلط ومتنوع، والواضح أن مكونات هذا الفريق من الأتراك العثمانيين كانوا قلة. وكانت أصول أعضاء الفريق من القرم، وبلاد فارس، والهند.
وقد ازدادت هذه التعددية فيما بعد لتشمل الأرمن واليهود وعدداً متزايداً من الأتراك، حيث كانت الفكرة بأن الجميع يساهمون في تعزيز ودعم التقاليد المتجذرة في إسطنبول. ولم يتم استيعاب “الفُرس” بشكل كامل في الفكر التاريخي، وربما يكون ذلك لأنه قدموا مساهمات مميزة كمجموعات. وتشير مصادرنا المشروح عليها بهوامش إلى مؤلفات الـ (açemler ) (وهي الكلمة المستخدمة للإشارة إلى “الفُرس” والتي يقصد بها بشكل عام “الأجانب”) بهذا الشكل دون تسمية المؤلف. وهاتان القطعتان تشكلان مثالاً على هذا الواقع.
غازي غيراي هان – باشراف (عجم أشيران) – كايرو ستايل، 1906
سيد درويش – زوروني
قام الموسيقيون الذين غادروا إسطنبول بنشر الموسيقى الحضرية بشكل كبير خارج حدود المدينة وقد كان ذلك من خلال شبكات اتصال عن طريق لقاءات البيوت الصوفية، والمقاهي، وغيرها من المؤسسات والقنوات. وكانت آلة العود مستخدمة بشكل كبير في المقطوعات الموسيقية التي تعزف خارج مركز البلاط المتخلخل، وخصوصاً في المناطق العربية من الامبراطورية. فقد ساهمت كل من بيروت، وحلب، ودمشق، ولاحقاً القاهرة، في القرن التاسع عشر في تغذية التقاليد العلمانية الخاصة بها في مجال الموسيقى حتى في الوقت الذي كانت لا تزال تعد فيه من ضمن المناطق الخاضعة لسلطة إسطنبول. وقد أنتجت المراكز الإقليمية مؤلفات اعتمدت على كل من موسيقى إسطنبول وعلى الموسيقى والأنماط المحلية أيضاً بشكل أكبر. كانت هذه الموسيقى تعزف بشكل متكرر في الفرق الموسيقية الصغيرة التي عُرفت باسم “التخت” والتي كانت تضم في العادة العود، والقانون، والناي، والكمان، وآلات النقر (أو بعضاً منها) ويصحبها في العادة مطرب. سوف نتحدث في القسم الأخير قبل الفاصل عن هذه الحقبة من الزمن، بنكهتها المختلفة.
القطعة الأولى لدينا هي “باشراف” وهي الكلمة العربية للكلمة الإيرانية الأصل (pîshrow’) والكلمة التركية (peşrev’) التي كتبها في الأصل “تاتار خان” الذي يعود أصله إلى القرم ولكنه استقر في إسطنبول في القرن السادس عشر. ونظراً لكون العديد من مؤلفاته وصلتنا مع الشروحات والهوامش العثمانية عليها، فإن بإمكاننا أن نفترض بأنه كان من المؤلفين ذوي السمعة الممتازة. من أجل الأداء الخاص بنا، فقد قمنا بدراسة تسجيل يعود لسنة 1906 لإحدى قطع “خان” الموسيقية أداها عازف الكمان المصري الشهير “سامي الشوا” (1889-1965) لكي نتمكن من عرض بعض من أسلوبه.
كان “سيد درويش” (1892-1923) واحداً من أهم الموسيقيين والمؤلفين العرب في أوائل القرن العشرين والذي ننهي النصف الأول هنا بأغنيته “زوروني”. فبد أن أمضى وقتاً في دمشق مع فرقة مسرحية حيث جاهد وكافح لكي يصبح ممثلاً، عاد سيد درويش إلى بلده الأم مصر ليصبح من من الشخصيات الرئيسية في حركات المسرح والأفلام والموسيقى الناشئة في القاهرة. وفي نهاية المطاف استحق سيد درويش لقب “أبو الموسيقى الشعبية المصرية” واشتهرت أغانيه مثل أغنية “زوروني” عبر العالم العربي بسبب قيام أشهر المطربين بأدائها، مثلما فعلت المطربة اللبنانية “فيروز”.
فاصل
تشينوشين تانريكور
دولاب داشت
يوردال توكان -إرماك
نابور نابور
استفادت موسيقى البلاط في إسطنبول بشكل دائم من المهاجرين ومن الأسرى القادمين من مختلف أصقاع الإمبراطورية، وفي الستينيات من القرن التاسع عشر وجد العود طريقه للعودة نتيجة للحركة الجديدة بين إسطنبول والقاهرة ودمشق. إن وصول آلات العود العربية وصانعي الأعواد العرب إلى إسطنبول في أواخر القرن التاسع عشر أدى في نهاية المطاف إلى تطوير تقاليد القرن العشرين الحديثة والتي شملت ما أطلق عليه اسم “العود التركي” (النسخ الأولى منه صنعت على يد صناع أرمن ويونانيين في اسطنبول) و”مدرسة العود التركي” التي كانت ذات مظهر أوروبي أو بالأحرى أرمني. وفي مفارقة عجيبة، كان لهذه النزعة تأثيراً قوياً في العراق بعد ثلاثينيات القرن العشرين.
لقد كانت فكرة العزف المنفرد “الموهوب” على العود والتي نشأت في القرن التاسع عشر في أوروبا وأمريكا الشمالية مثار اهتمام لعدد من عازفي العود في القرن العشرين. وهكذا أصبحت آلة العود وسيلة للعرض المنفرد، وتم تطوير مجموعة جديدة من التقنيات في عزف العود وكذلك في صناعته لتعزيز هذا الدور الجديد. إن القطعتين المعروضتين في هذه المجموعة تدينان بالفضل لهذا التحول.
لقد كان (تارنيكور Tanrıkorur 1938-2000) عازف عود ومطرباً ومؤلفاً جمع تراثه بين الأداء المنفرد والمصاحب وأدوار الفرق الصوفية للعود. وتضم مقطوعته الموسيقية (صباح القرية Koyde Sabah) نموذج (الساماي samai ) التقليدي مع استقصاء الأسلوب الريفي. ويعد (توكان Tokçan المولود سنة 1966) أشهر عازف عود تركي اليوم. وقد كتب مقطوعته (النهر Irmak ) بالأسلوب الريفي للألحان في ريف الأناضول.
لقد قمنا بتتبع كل واحدة من هذه المؤلفات بشكل مباشر بواسطة قطع مصاحبة بإيقاع “البندير bendir“. (الدشت ’Dasht’) عبارة عن مؤلف موسيقي عراقي كان يعزف في القرن التاسع عشر كمقدمة للأغنية، ولكن أصبحت له شعبية وانتشار كنغمة مستقلة من خلال العزف المنفرد على العود لتحقيق شهرة عالمية. منير بشير (1930-1997). (نوبار نوبار Nubar Nubar ) عبارة عن أغنية أرمنية تقليدية سجلها عازف العود المولد في نيويورك “جون بربريان” المولود سنة 1941. وتتشارك هذه المؤلفات بنمط يدعى (كوركونا) (يلفظ “جورجينا”).
Traditional – Yağcilar Zeybeği
Kadı Fuat Efendi – Hicâzkâr Sirto
Composer unknown – Çirit havası
في هذا المزيج قمنا بإحضار العود ضمن مؤلف موسيقي يتم عزفه من قبل الآلات التي يرافقها الأسلوب التقليدي الريفي.
القطعة الأولى عبارة عن (زيبيك zeybek ) (رقصة تقليدية للرجال) وهذا المثال مستقى من محيط منطقة “إزمير”. أما القطعة الثانية فهي مؤلفة على نمط (سيرتو sirto) وهي رقصة فولكلورية من اليونان تم تبنيها في التراث العثماني التقليدي (مثل رقصة gavottes الفرنسية الريفية التي دخلت مؤلفات البلاط الأوروبي) وكان مؤلف هذه القطعة مستقراً في إسطنبول. وننهي العرض بمؤلف مستوحى من (الجيريد çirit) وهي رياضة فروسية دخلت إلى الأناضول في القرن الحادي عشر عن طريق الترك من آسيا الوسطى. حيث يقوم زوجان من الرجال على ظهور الخيل بمطاردة بعضهما البعض ويقومون بإلقاء رماح غير حادة على الخصم بهدف إسقاطه على ظهره. ويمكن للمرء سماع وقع عدو حوافر الخيل، إن لم يكن صوت العصي.
ابراهيم أفندي المصري، سماعي بياتي
موشح بالذي أسكر
سماعي ماهور نيقولاكي (ت. 1915)
موشح صحت وجدا-سيد درويش
موشح يا شادي الالحان -سيد درويش
في هذه المجموعة من القطع عدنا إلى المؤلفات التاريخية. إن المؤلفات التي نستعرضها تندرج ضمن نوع السماعي “عربي” أو semaisi “تركي”. ويشار إلى الأولى بأنها سماعي عربي في تركيا (‘Arab’ saz semaisi ) ولكن المؤلف كان يهودياً من حلب وعاش في القاهرة قبل الانتقال إلى إسطنبول. أما مؤلف القطعة الثانية فكان من أصل يوناني وعاش في إسطنبول. نقوم بعزف كلتا القطعتين بالأسلوب العربي كمقدمة للأغاني المعروفة باسم “الموشحات” في إشارة إلى الشعر العربي التقليدي. ويعود أصل نصوص الموشحات الأولى إلى القرن التاسع ولكن الألحان أتت في وقت متأخر فيما بعد. بعض هذه الألحان كانت منسوخة من الأغاني التركية المشهورة في القرن التاسع عشر مثل (sarkı)، بينما كان البعض الآخر من تأليف مؤلفين مثل سيد درويش.
سيرتو نكريز- جميل بك الطنبوري
يعتبر الموسيقيون الأتراك الذي يعملون في مجال الموسيقى التقليدية/الكلاسيكية اليوم بأن المؤلف (جميل باي الطنبوري Tamburi Jamil Bey) (أو السيد جميل عازف الطنبور 1873-1916) بمثابة النقطة المرجعية الأعلى. وقد ساعد على ذلك قيامه بعزف العديد من الآلات الموسيقية (الطنبور – الطنبور المنحني – الكمان – اللافتا) وترك من خلفه إرثاً كبيراً من التسجيلات. وهذه القطعة التي نختتم بها برنامجنا مبنية على رقصة (سيرتو sirto).
ترجمة النص من الإنجليزية إلي العربية : مصعب حياتلي.
أسعدتنا في مقالكم في ذكر صانع العود الأرمني حيث أنه تأكدت من أنه من صنع المرحوم والدي قرهبيت ديربيدروسيان
لنا الفخر في ما ذكر من قبلكم
كريكور ديربيدروسيان
جزيل الشكر لك على رسالتك الرقيقة، ونحن أيضا سعداء بذلك.
خالص التحية،
طارق عبد الله